أطلق عليها والداها اسم فيروز تيمنًا بتلك السيدة الـي أصبح صوتها وطنًا! انتقلت من بلدة يارون في جنوب لبنان إلى جنوب أستراليا في رحلة عمر وهجرة إلى أستراليا عام تاركة الأرض التي ولدت فيها من 27 سنة.
النقاط الرئيسية
- هاجرت الصبية الطموحة فيروز عجاقة إلى فرنسا لإكمال شهادة الدكتوراه وهناك التقت بأستراليا من خلال من سيصبح رفيق الدرب
- استقرت في جنوب أستراليا عام 1997 وهناك عاشت صمتًا في غياب أي شخص يتحدث اللغة العربية
- حولت حنينها إلى اللغة العربية إلى مبادرة تربوية وثقافية من أجل تعزيز الثقافة واللغة العربية في جنوب أستراليا
ولدت وكبرت فيروز عجاقة في يارون البلدة الجنوبية، لكنها اضطرت مرغمة لتركها في عمر العشر سنوات والانتقال إلى النبطية. وصفت طفولتها المطبوعة في وجدانها في مسقط رأسها قائلة:
" طفولتي انطبعت بهدوء وجمال يارون ولكنني استيقظت على الشعور بالغبن والمعاناة جراء الاعتداءات الإسرائيلية لذا تركنا يارون بسبب الخوف الذي كنا نعيشه".
لم تعش فيروز غبن الحرب فحسب، بل عاشت آنذاك غبن المرأة المحرومة في مجتمعاتنا من حقها بالعمل وروت قائلة:

The southern village Yaroun in 2018. Source: Fayrouz Ajaka
" كان والداي من أوائل المتعلمين في البلدة، فوالدي كان أستاذًا ووالدتي افتتحت مدرسة في البلدة قبل زواجها، ولكن مع ولادتي اضطرت على ترك المدرسة لتقديم الرعاية لي ولإخوتي. "
شرحت فيروز أن المجتمع الزراعي في البلدة الجنوبية ترك الجميع منهمكًا بالأرض، ومع عدم توافر وسائل النقل كان التعلم خارج البلدة صعبًا، فكان والداها يذهبان إلى المدرسة خارج البلدة سيرًا على الأقدام يوميًا على بعد سبع كيلومترات، وفي هذا الإطار قالت عجاقة:
"عندما طلب أجدادي من الزعيم آنذاك أن يفتتح مدرسة داخل البلدة أجابهم قائلًا: ما حاجتكم للمدرسة، فأنا أعلم ابني!".
الحرب الأهلية في لبنان
كانت فيروز تبلغ من العمر 14 سنة عندما اندلعت الحرب الأهلية في لبنان، ومع تنقل العائلة من منطقة إلى أخرى هربًا من الحرب، اضطرت فيروز إلى أن تختار تخصصًا مناسبًا لها في منطقة سكنها فمأساة الحرب قسمت لبنان إلى مناطق معزولة عن بعضها قائلة:
كنت أعيش في بيروت الغربية آنذاك وكنت أدرّس في مدرسة تحول قسم منها في ليلة إلى مساكن للمهجّرين! لم تكن الحرب بين منطقة وأخرى فقط، بل أحيانًا حروب داخلية في المنطقة ذاتها بين أحزاب مختلفة
تقول فيروز رغم مآسي الحرب:
"إن تجربة اللبناني مع التهجير والتنقل من منطقة إلى أخرى هربًا من الحرب رغم صعوبتها، أضافت بعدًا إيجابيًا وهي المقدرة على تكوين علاقات إيجابية أينما وجد".
في فرنسا، التقت بأستراليا
كان حلم فيروز أن تكون أستاذة كوالديها، لكنها لم تتمكن من الانتقال إلى العاصمة بيروت لتختار تخصصًا علميًا كما كانت تشتهي، بل تخصصت بالأدب الفرنسي في مدينة صيدا الجنوبية وبعد فترة من العمل والتعليم في لبنان، اختارت أن تهاجر بشكل مؤقت إلى فرنسا فقط لإكمال تخصصها ونيل شهادة الدكتوراه.
في فرنسا، التقت برفيق الدرب الآتي من أستراليا فكانت فرصة لكليهما بالتعرف على بلد آخر وثقافة جديدة في أمسية احتفالية حولت مسار حياتها قائلة:
تعرفت على زوجي في احتفالية المئوية الثانية للثورة الفرنسية، فعرفته عن نفسي بأنني من لبنان وعرفني عن نفسه بأنه من أستراليا، وأمضينا سهرتنا كلها خلال الاحتفالية نتمشى ونتحدث عن أوطاننا
تكلل الحب بالزواج فهاجرت فيروز مع شريك حياتها إلى أستراليا في عام 1994 وعاشت ثلاث سنوات في سيدني حيث اكتسبت اللغة الإنكليزية التي لم تكن تجيدها وحصلت على رخصة تسمح لها بممارسة مهنة التربية والتعليم، ولكن ما ان رزقت بابنتها اختارت أن تكرس الوقت كاملًا لحلم الأمومة. كان لا بد من أن تكبر الطفلة في كنف العائلة والأجداد، فاختار الزوجان الانتقال إلى جنوب أستراليا حيث كانت تقيم عائلة زوجها واستقرت العائلة في أديلايد في عام 1997.
بدت أديلايد وكأنها المكان المثالي للاتصال بذاكرة المكان في جنوب لبنان. تقول فيروز إن طبيعة أديلايد وساحاتها الخضراء المفتوحة، والبيئة الهادئة والطقس الجاف المعتدل يذكرها ببلدتها يارون في جنوب لبنان. ومع ذلك فقد فاتتها هناك فرصة التحدث باللغة العربية، حيث إن عائلة زوجها في الغالب من أصول غير عربية، ولم تكن تعرف في البداية أي متحدث باللغة العربية هناك.
كان هذا أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لها، لأنها كمدرسة لغة أرادت أن تظل ابنتها على اتصال بتراثها الثقافي العربي، وخلق مشاعر إيجابية حول الارتباط بتلك المنطقة من العالم.
في عام 2012، التقت فيروز أشخاصًا مثلها يتوقون للتحدث بلغتهم الأم، فبدأت بتأسيس جمعية اللغة والثقافة العربية في جنوب أستراليا (ALCASA) مع عدد من الأصدقاء المتشابهين في التفكير قائلة:
"شعرنا جميعًا بأن هناك حاجة لإنشاء منظمة علمانية وغير سياسية وغير هادفة للربح لتعزيز التفاهم بين الثقافات والتقدير والتسامح"، وأردفت قائلة:
انطلق هدفنا الأساسي من معاناتنا ليس فقط لأننا نتوق ان يتحدث أولادنا اللغة العربية، بل جراء الصورة السلبية والمرعبة لوسائل الإعلام في الغرب عن الشرق. سألت نفسي عما إذا كنت أرغب بأن ترى ابنتي هذه الصورة عن بلدي.
شرحت عجاقة أنه منذ تأسيس جمعية اللغة والثقافة العربية في جنوب أستراليا، شهدت نموًّا بشكل لافت قائلة:
"قبل أزمة الكورونا، كنّا نعقد اجتماعات شهرية منتظمة، وفي مجموعة ALCASA للأطفال، كنّا نساعد لقراءة الكتب العربية معًا واللعب والقيام بالأنشطة أثناء التحدث باللغة العربية بما في ذلك ورش عمل ثقافية. بالنسبة لمتعلمي اللغة العربية للبالغين، كنّا وما زلنا نقدم مساحة محادثة باللغة العربية حيث يمكنهم الالتقاء والدردشة مع متطوعين من المتحدثين باللغة العربية. اجتماعاتنا شاملة ومفتوحة لعامة الناس".
الوطن بين الهوية والمكان
أوضحت فيروز أن الوطن أحيانًا يسبب لنا ألمًا، ولكن هذا الواقع لا يلغي ارتباطًا وثيقًا به قائلة:
صحيح أن الوطن أحيانًا يسبب لنا ألمًا، ولكن هذا الألم لا يجعلنا نكرهه. لأجل ذلك انا حملت وطني إلى هنا في شجرة الزيتون وشجرة الليمون والمشمش والكرز وحملت رائحة يارون والجنوب ولبنان
وتابعت قائلة:
"وطني هو الامل. النظرة الإيجابية للحياة وحب المغامرة، يجعلان من كل مكان وطنًا لك، وبالنسبة لي كل مكان عشت فيه أصبح وطني، ولكن لا شيء يغني عن شيء "
وختمت في هذه الكلمات:

Fayrouz' childhood home in Yaroun fully destroyed in 2006, yet the Cedar tree survived. Source: Fayrouz Ajaka
" كنت أود أن أزور بيت طفولتي الذي لم يبق منه شيء، حتى "الدست" التي كانت تستخدمه جدتي سرق منه. يبكينا الحنين أحيانًا، ولكنه يعطينا أملًا".
READ MORE
لمعرفة المزيد، اضغط على الملف الصوتي أعلاه.
يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر هذا الرابط أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على أبل وأندرويد.